الصحراء المغربية.. هل تشمل مرحلة “الحزم والاستباقية” تعامل المغرب مع ليبيا وموريتانيا؟

0

بالرغم من تعاطي الرباط مع قضية الصحراء المغربية بالحزم على الصعيدين الداخلي والدولي، في إطار سعيها بكل جدية إلى تعزيز مواقفها بشأن السيادة على الأقاليم الصحراوية، وهو حزم يترجم من خلال مواقف سياسية ودبلوماسية واضحة، تعتمد على المرجعيات الدولية، وخاصة ما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات ذات الصلة، إلا أن علاقتها مع دول مثل ليبيا وموريتانيا تتسم بدرجة من المرونة، وهو ما يطرح سؤالًا حول ما إذا كانت ستتعامل معهما بنفس الحزم مستقبلاً.

البعمري: رد المغرب على ليبيا هادئ وموقف ليبيا غير معادي للمغرب

الباحث في شؤون الصحراء، نوفل البعمري، أكد أن المغرب في علاقته مع دول شمال إفريقيا كان وما زال يميز بدقة ويضع تراتبية دبلوماسية في اتخاذ المواقف من تحركات هذه الدول داخل المنطقة وفي العلاقة بموقفها من قضية الصحراء.

وسجل البعمري أنه ومن أجل ذلك هناك تعاطٍ حازم مع النظام الجزائري الذي يعمد إلى معاداة المغرب بشكل يستهدف أمنه ووحدته الترابية، والدولة التونسية التي قرر سحب السفير المغربي منها بعد استقبال رئيسها لزعيم مليشيات البوليساريو بشكل يتناقض مع العلاقات التاريخية التي جمعت البلدين منذ الحبيب بورقيبة إلى لحظة واقعة استقبال “بن بطوش”.

وأفاد البعمري بهذا الصدد أن المتتبع سيلاحظ أن هناك تعاطيًا مختلفًا مع الدولتين الموريتانية والليبية لعدة أسباب منها ما هو استراتيجي ومنها ما هو تاريخي، ومنها ما يتعلق باستيعاب مغربي لطبيعة الوضع الذي تعيشه هذه الدول وحالة الاضطرابات الكبيرة الداخلية، كحالة ليبيا. فإن رد الفعل المغربي يكون مختلفًا، هادئًا ومبنيًا على قراءة واقعية لطبيعة الوضع الذي تعيشه هذه الدول.

وشدد على أن المغرب اتخذ عدة خطوات من أجل إخراج ليبيا من حالة تآكل المؤسسات الداخلية بعد انهيار وسقوط نظام معمر القذافي الذي تركها عرضة للفوضى والتقسيم، “فكانت خطوات قيادة الحوار بين مختلف الأطياف الليبية، فكان اتفاق الصخيرات الذي تبنته الأمم المتحدة وأصبح المشروع المغربي للمصالحة الليبية مشروعًا يحظى برعاية الأمم المتحدة، من خلال الاتفاق الذي تم التوصل إليه وتوقيعه في سابقة إقليمية وليبية كانت تتجه بهذا البلد نحو الوحدة وبناء المؤسسات الليبية الديمقراطية”.

وأوضح الباحث في شؤون الصحراء في تصريح للصحافة أن المغرب خلال ذلك كان غير متخندق مع أي طرف على حساب طرف آخر مما أعطاه المصداقية لقيادة الوساطة التي تبنتها الأمم المتحدة، لكنها في المقابل أزعجت النظام الجزائري الذي اعتبر في وحدة ليبيا واستقرارها مسًا بمصالحه لأنه يبني علاقاته على المشاكل الداخلية للدول واستغلالها لإضعافها واستغلالها بما يخدم مصالح العسكر الجزائري لا مصالح شعوب تلك الدول.

وقال إن النظام الجزائري نجح في زرع الفتنة داخل الطيف الليبي واستغلال الهشاشة المؤسساتية التي تعيشها ليبيا ليعيدها إلى نقطة الصفر وإلى حالة الانقسام والفوضى، مؤكدًا أن المغرب يتفهم بعض التحركات التي يتم القيام بها هنا وهناك والتي تظل دون أي تأثير إقليمي أو على مستوى شمال إفريقيا ويضعها ضمن سياقها الذي تعيشه ليبيا داخليًا خاصة مع غياب سلطة مركزية موحدة.

وخلص إلى أن المغرب لا يتحرك بمنطق رد الفعل تجاه هذه الأوساط لأنها في نهاية المطاف لا تعبر عن القرار السياسي والسيادي لدولة ليبيا بل هي أطراف تم استقطابها من طرف النظام الجزائري للعب دور تابع للعسكر، وهو دور سينتهي بالفشل لأن المغرب يستند على اتفاق الصخيرات وعلى مسار طويل من المفاوضات التي قام بها والتي لن يدفع في اتجاه أن يتم جره نحو أن يكون الشماعة التي يعلق عليها فشل تطبيق الاتفاق.

وفيما يتعلق بموريتانيا، فسجل أن المغرب ولأسباب تاريخية يتفهم موقفها من تنظيم البوليساريو، بحيث تعتبر نواكشوط ما زالت معترفة بهذا التنظيم لهذه الأسباب المرتبطة بظروف زرع الجبهة الانفصالية في المنطقة، معتبرا أن ما يهم هو أن تحركات موريتانيا لا يمكن وضعها ضمن خانة المعادية للمغرب ولمصالحه، “فالدولة الموريتانية تدعم المسار الأممي وفقًا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن”.

وأكد أن موريتانيا اتخذت مسافة من النزاع وتتخذ موقف الحياد الإيجابي وهو موقف يُحسب لهذه الدولة الشقيقة، والتعاون العسكري والأمني بين البلدين مستمر، إضافة إلى الاستثمارات الاقتصادية للمغرب في هذا البلد الجار، دون نسيان أن موريتانيا لم تتخذ موقفًا سلبيًا تجاه عملية الكركرات التي قام المغرب من خلالها بإعادة تحرير تلك المنطقة وطرد منها مليشيات البوليساريو بشكل لا رجعة فيه.

ويرى أن المغرب في علاقته مع هذين البلدين يضعها ضمن سياقها الطبيعي سواء ما يتعلق بانهيار النظام الليبي والصعوبات التي لقيها في بناء مؤسسات الدولة الليبية، ويتفهم المواقف الموريتانية التي تظل غير معادية للمغرب ولا يمكن وضعها ضمن خانة المعادية للمغرب، ولن يتم جر المغرب إلى أي قطيعة دبلوماسية مع هذا البلد الجار الذي تظل العلاقات معه تاريخية مبنية على الثقة والشراكة المتنوعة والمتعددة.

الندوي: يجب دعوة طرابلس لفتح قنصلية بالداخلة ونواكشط تواجه ضغوطات جزائرية

رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، محسن الندوي، بالنسبة لليبيا، يشير إلى أن الدبلوماسية المغربية لعبت دورًا مهمًا باعتراف الأمم المتحدة في حل الأزمة الليبية في إطار الدينامية التشاورية والنزيهة والدقيقة على الوساطة من أجل تسوية سياسية وسلمية للأزمة الليبية وفقًا لاتفاق الصخيرات لعام 2015. حيث تمّ توقيع اتفاقية الصخيرات التي أفضت إلى الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني على أنها السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا في المغرب في العام 2015.

وأكد الندوي أن كل الأطراف الليبية تثق في المغرب من خلال احتضانه لمشاوراتها باعتبار ذلك ترجمة لإرادة مغربية صادقة لإنهاء هذه الأزمة بعيدًا عن أي أهداف أو أجندات سياسية أخرى، لافتًا إلى أن طرابلس، وبخصوص قضية الصحراء المغربية، أكدت عبر مبعوثيها إلى المملكة المغربية منذ عام 2011 أنها لن تكون دولة داعمة لأي حركة، سواء البوليساريو أو غيرها من الحركات التي تفتقر إلى الشرعية الأممية.

ولفت في تصريح للصحافة، إلى أن ليبيا أكدت أيضًا عبر المجلس الوطني الانتقالي بأن مستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية، مبرزًا أنها إضافة إلى السودان وجمهورية الكونغو، وقعت طلبًا موجهًا لرئاسة الاتحاد الإفريقي من أجل تعليق عضوية “البوليساريو” في المنظمة سنة 2016.

ويرى رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية أن العلاقات المغربية الليبية اليوم ينبغي أن تتطور أكثر من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وإعادة فتح المجال الجوي المباشر وفتح خط بحري لتشجيع المبادلات التجارية الثنائية والسماح لليبيا بالاستفادة من المبادرة الملكية الأطلسية، ودعوتها للاجتماع الخاص بالدول الأطلسية المعنية بالمبادرة، إضافة لدعوتها إلى فتح قنصلية بالداخلة أو العيون.

وفيما يتعلق بموريتانيا، أورد الندوي أن موريتانيا تعتمد على نهج تسميه الحياد الإيجابي في موقفها من نزاع الصحراء؛ “فهي من جهة تتجه إلى كسب ود المغرب، حيث انتعشت العلاقات بين الرباط ونواكشوط في العديد من مجالات التعاون، دبلوماسيًا واقتصاديًا وتجاريًا وأمنيًا وعسكريًا. لكن بالمقابل لا تخفي نواكشوط علاقاتها الدبلوماسية مع جبهة “البوليساريو”. كما لا تتردد في استقبال العديد من قيادييها على الأراضي الموريتانية، في محاولة لعدم التصادم أيضًا مع الجزائر التي تدعم الجبهة الانفصالية”.

واعتبر أن موريتانيا تحاول أخذ العصا من الوسط للتوفيق بين مصالحها الاستراتيجية مع المغرب من جهة، وبين مواجهة الضغوط السياسية والأمنية التي تفرضها الجزائر و”البوليساريو” من جهة أخرى، لافتًا إلى أن موقفها العلني من قضية الصحراء مرتبط بدعم الجهود الأممية وكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الرامية إلى إيجاد حل مستدام ومقبول لدى الجميع.

وأوضح الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي في حديثه للجريدة، بهذا الصدد أن الرباط ما فتئت تعمل على توطيد العلاقات مع نواكشوط، إذ أصبح المغرب المستثمر الإفريقي الأول في موريتانيا، وتعمل على التقارب الاقتصادي من خلال اللجنة العليا المشتركة والمنتدى الاقتصادي المغربي الموريتاني، وعسكريًا من خلال اللجنة العسكرية المختلطة المغربية – الموريتانية.

ومع كل ذلك، يؤكد الندوي أن موريتانيا ما زالت تنهج الحياد ولم تعترف بعد بمغربية الصحراء ولا باعتبار مبادرة الحكم الذاتي حلًا وحيدًا للقضية، معتبرًا أن “الأمر لا يتعلق فقط بالتقارب الاقتصادي رغم أهميته، وإنما قد يكون التحدي جيوسياسيًا ويحتاج تعزيز الدبلوماسية الدينية والثقافية في موريتانيا من جهة، وتعزيز دور موريتانيا في المبادرة الملكية الأطلسية باعتبار أنه سيكون لموانئ المغرب وموريتانيا الدور الأساسي في توفير الإطلالة البحرية للبلدان الشريكة في المبادرة خاصة ميناء الداخلة وميناء نواديبو بموريتانيا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.